الكافيار، غذاء الملوك والأثرياء، عرف باسم اللؤلؤ الأسود لندرته وارتفاع ثمنه، وصعوبة الحصول عليه، إذ يتم استخراجه من أنواع محددة من الأسماك تنتشر جميعها في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، 90 بالمائة منها يعيش في بحر قزوين.
سمك الحفش، أشهر أنواع الأسماك التي يستخرج منها الكافيار الأسود، وهناك ثلاثة أنواع من هذا السمك تعرف باسم بلوغا وأوسيترا وسفروجا، وتنتج جميعها الكافيار العالي الجودة، أما أجود الأنواع وأغلاها ثمناً فهو المستخرج من سمك "سترجن"، وتختلف ألوانه فمنه الأسود والرمادي والأخضر والأصفر والبني، وتختلف أحجامه من حبيبات صغيرة جداً إلى حوالي حجم حبة الفاصوليا في بعض الأحيان.
ويتم تصنيف الكافيار إلى ثلاث درجات أولى وثانية وثالثة حسب لونه وطعمه وحجم بيضه، وأفضل أنواع الكافيار وأغلاها سعراً ذلك المستخرج من السمك الذي تجاوز عمره مرحلة البلوغ الجنسي وهي 12 عاماً.
أما أردأ الأنواع فهو الكافيار الأحمر المستخرج من سمك السلمون الموجود في شمال المحيط الأطلسي.
الكافيار من أغلى المواد الغذائية على الإطلاق، إذ يتراوح سعر الكيلو غرام منه بين ألفين وخمسة آلاف دولار، حسب جودته ونوعه، ويتوقع العديد من الخبراء أن يرتفع هذا السعر إلى أرقام كبيرة جداً نظراً لتناقص الكميات المستخرجة ومخاطر الانقراض التي تتهدد الأسماك المنتجة له.
أشهر الدول المنتجة للكافيار هي الخمس المطلة على بحر قزوين،: إيران، روسيا، كازاخستان، أذربيجان وتركمانستان، وتنتج إيران لوحدها كمية تعادل الكمية التي تنتجها جميع الدول المطلة على بحر قزوين، حيث تنتشر أسماك الحفش بكثرة قبالة الشواطئ الإيرانية.
ويعد فصل الربيع أكبر موسم للصيد خلال السنة، حيث يستحوذ على نسبة بين 70 و80 بالمائة من إجمالي حصيلة الصيد سنوياً.
وقد تناقصت الكمية التي كانت تنتجها إيران مؤخراً إلى أرقام متدنية جداً نسبة إلى ما كانت تنتجه حتى تسعينيات القرن الماضي، حيث كان يبلغ إنتاجها في ذلك الوقت أكثر من 300 طن سنوياً، وقد تدنى إنتاجها مؤخراً إلى ما دون 85 طناً، وهذه الكمية تعادل ما أنتجته بقية الدول المطلة على بحر قزوين مجتمعة، لتحصل بذلك إيران على حصة الأسد من الإنتاج بمبالغ تجاوزت الـ 70 مليون دولار.
هذا التناقص والتدني في الإنتاج سببته عدة عوامل، لعل أهمها الاتجار غير القانوني في هذه المادة الغنية، وكذلك ظهور مافيا الكافيار التي حققت ثروات هائلة من خلال عمليات التهريب الواسعة التي تقوم بها، وقد قدرت إحصائيات أن أكثر من 60 بالمائة من الكافيار الذي يباع في العالم يأتي من السوق السوداء.
وتقول السلطات الروسية إن التجارة الرسمية في الكافيار تدر 40 مليون دولار على الحكومة، في حين تدر على الصيادين من السوق السوداء نحو 500 مليون دولار.
قبل التسعينات كانت عملية صيد أسماك الكافيار منظمة، إلا أن تفكك الاتحاد السوفييتي العام 1991 أدى إلى ظهور ثلاث دول على بحر قزوين راحت تصطاد أسماك الحفش عشوائياً، وخصوصاً باستخدام شباك صيد صغيرة الثقوب، مما أدى إلى تراجع عدده من 500 مليون قبل العام 1990م، إلى أقل من خمسين مليوناً في العام قبل الماضي، بحسب خبراء إيرانيين، والرقم ما زال في تناقص. كما أدى انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان يفرض رقابة مشددة على إنتاج الكافيار، إلى تزايد عمليات الصيد غير المشروع وقيام عشرات الشركات الصغيرة بتهريب كميات كبيرة من الكافيار، ويعود تراجع إنتاج الكافيار أيضاً إلى التلوث النفطي المتزايد لمياه بحر قزوين.
وعلى الرغم من كل الجهود التي تبذل، والاتفاقيات التي توقع بين الدول المنتجة للكافيار، إلا أن عملية تهريب الكافيار وأسماكه ما زالت قائمة، بل إنها تفاقمت في الآونة الأخيرة، وخاصة مع تدني الإنتاج الرسمي، وازدياد الطلب وارتفاع الأسعار، ومنذ ثلاثة أعوام استطاعت السلطات الروسية أن تحبط عملية تهريب كبيرة "أكثر من ستة أطنان من السمك والكافيار" كانت تتم عن طريق طائرات سلاح الجو الروسي، ما يعني تدخل مسؤولين كبار في عمليات التهريب هذه، وقد قدرت مصادر روسية قيمة الكافيار الروسي المهرب سنوياً بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، يتجه معظمها إلى اليابان، ما دفع وزير الخارجية الياباني إلى التصريح بأن هذا يضر بالمنتجات اليابانية.
تعتبر إيران من أكثر الدول محافظة على هذه الثروة الطبيعية، وتقوم بجهود كبيرة في حمايتها، حيث أطلقت في العام الفائت 2005م، حوالي 25 مليون فرخ من سمك الحفش في بحر قزوين، وتواصل حظر الصيد بالشباك الصغيرة الثقوب من أجل حماية الأسماك الصغيرة. وقامت قبل شهور بمحاولة لتربية "أفراخ الحفش" لإنتاج الكافيار في حوض مساحته 5 آلاف متر مربع به مياه مالحة وسط الصحراء على أمل إنتاج الكافيار، لكن هذه المحاولة لم تلق نجاحاً كبيراً.
ووافقت دول بحر قزوين على تخفيض حصص صادرات الكافيار خلال عام 2004م, وذلك أثناء انعقاد مؤتمر للدول المشاركة في معاهدة "الاتجار في الأنواع المهددة بالانقراض" التي تنظم قواعد الاتجار في النباتات والحيوانات وأجزائها في جميع أنحاء العالم، وقررت خفض حصصها مجتمعة من الكافيار من 146210 كيلوجرامات عام 2003 إلى 113554 كيلوجراماً.
وقبل أربعة أعوام تمت في باريس مباحثات بين أكثر من مئة ممثل عن الدول الأعضاء في إحدى وكالات الأمم المتحدة المعنية بالتجارة في الحيوانات المهددة بالانقراض لمناقشة ما إذا كان يتعين فرض قيود على صادرات الكافيار من معظم الدول المطلة على بحر قزوين، في محاولة لإنقاذ سمك الحفش الذي يستخرج منه الكافيار. وتقول الوكالة إن الصيادين تجاوزوا الحدود المسموح بها لصيد سمك الحفش باثنتي عشرة مرة، وقدمت كل من روسيا وأذربيجان وكزخستان وتركمانستان، ضمانات تعهدت فيها بالعمل على اتخاذ إجراءات تفضي إلى إنقاذ هذا النوع من الحيوان البحري الذي شهدت أعداده تراجعاً كبيراً، حيث يستخرج الكافيار عادة بعد قتل سمك الحفش. لكن أياً من هذه الدول لم تلتزم بما قدمته من ضمانات، واستمرت عمليات التهريب والاتجار غير المشروع مستمرة إلى يومنا هذا.
وفي محاولة لإيجاد البديل عن الكافيار الطبيعي وأسماكه سعت العديد من الدول إلى إيجاد مزارع صناعية، تربي فيها الأسماك المنتجة للكافيار، فقد أعلنت شركة "كافيار كرييتور كورب" الأمريكية على الانتهاء من إنشاء أكبر مزرعة لتربية أسماك الحفش في ألمانيا، لتنتج عندما تعمل بطاقتها القصوى 30 طناً من الكافيار و400 طن من لحوم أسماك الحفش سنوياً. مستثمرة من أجل ذلك أكثر من 40 مليون دولار، وقد بدأت المزرعة بتربية سمك الحفش السيبيري وستقوم لاحقاً بتربية سمك الحفش من فصيلة "ألبينو" الذي ينتج "الكافيار الذهبي"، وستربي في مرحلة تالية أسماك الحفش من فصيلة "بيلوغا" الذي ينتج أغلى أنواع الكافيار سعراً وأطيبها مذاقاً.
وفي منطقة الخليج العربي، اتجه العام قبل الماضي مستثمرون في المملكة العربية السعودية إلى مجال الكافيار، حيث وافق مجلس إدارة البنك الزراعي العربي السعودي على منح قرض بقيمة 4.273 ملايين ريال لتمويل مشروع استثماري لإنتاج سمك وبيض الكافيار، بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 طن سمك و5 أطنان من الكافيار سنوياً.
وفي الإمارات، التي تحتل مرتبة متقدمة في استيراد الكافيار الإيراني، فازت مؤخراً شركة رائدة في تجارة الكافيار بعقد لتوريد 25 بالمائة من الإمدادات العالمية للكافيار الإيراني، في خطوة تعد الأولى من نوعها بالنسبة للشركات الإماراتية والعربية بشكل عام. حيث يتم استهلاك 15 بالمائة من الكافيار المستورد محلياً، فيما يتم تصدير الكمية المتبقية منه إلى الشرق الأوسط وأوروبا والأمريكيتين.
وغالباً ما يفضل الإماراتيون الكافيار الإيراني لأنه، بحسب رأيهم، الأجود وخالٍ من الغش، ويخضع إنتاجه في إيران وتصديره، إلى إشراف مباشر من قبل الحكومة التي تحرص دوماً على منع عمليات الصيد غير القانوني له. أما الكافيار الروسي، وفي ظل غياب إشراف الدولة على الإنتاج هناك، فإن الشركات العاملة به تتلاعب بأنواعه كثيراً حيث تقوم بخلط النوعيات الرخيصة بالغالية، والغالية بالنادرة وبيعها على أساس أنها من النوع الثمين.
وتخضع عمليات الاتجار بالكافيار الإيراني في الإمارات للاتفاقية العالمية للتجارة الدولية في أنواع النباتات والحيوانات البرية والبحرية المهددة بالانقراض "سايتس".
وللحصول على كافيار سليم خال من الغش يقدم الخبراء بعض النصائح، منها مثلاً عند فتح علبة الكافيار يجب التحقق من لمعان البويضات في الضوء، والتحقق أيضاً من وجود رائحة طيبة شهية، ومن أن الأغشية المغلفة لحبيبات الكافيار متماسكة وأن لا تكون مخدوشة، والحبيبات منتظمة وفي درجة عالية من التماثل وفي شكل فردي، وأخيراً أن يكون اللون متماثلاً ومنتظماً أيضاً، وأحياناً يمكن قبول درجات في تغير لون الكافيار في حدود المدى الطبيعي المميز لكل نوع.
وطريقة حفظ الكافيار والمحافظة عليه تبدأ منذ لحظة استخراجه، حيث يغسل عدة مرات ثم تفرط حباته وتملح وتعبأ في عبوات خاصة ذات أحجام مختلفة، بعد التأكد من سلامتها وخلوها من أي ميكروبات. ويجب عدم وضعه في "فريزر" الثلاجة، لأن الحفظ المثالي يكون عند درجة 2 إلى ثلاث درجات مئوية، وعند الحفظ في هذه الظروف يمكن أن نحافظ عليه فترة طويلة تتراوح بين شهرين إلى سنة، وذلك في حالة أن تكون العبوات مغلقة تماماً، وعندما يتم فتح العبوات يجب استهلاكها بسرعة في غضون أيام قليلة.
المصدر :
- شبكة المشروعات الصغيرة http://arabproject.net/vb/index.php