بقلم: د. أحمد سيد
فى عام 1982، وتحديدًا فى اليوم الثلاثين من شهر سبتمبر كانت شركة جونسون & جونسون على موعد مع أزمة كادت أن تعصف بالشركة، لقد توفيت سيدة نتيجة لتناول عقار التيلينول، والذي كان واحدًا من أكثر العقاقير المسكنة للألم مبيعًا في الولايات المتحدة والتي تصرف بدون وصفة طبية، لقد كانت العبوات سهلة الفتح، ولقد أضيفت مادة سامة بفعل فاعل وتصدرت القصة عناوين الأخبار وكافة المحطات لمدة ستة أسابيع متواصلة وأصاب الناس حالة من الهيستيريا .. لقد كان الأمر مرعبًا وكافيًا للقضاء على الشركة.
لقد كان الجميع يدرك استحالة وجود طريقة تنقذ الشركة من الانهيار، لكن عبقرية إدارة الأزمة التي تحلى بها “جيمس بيورك” المدير التنفيذي للشركة أدت إلى إعادة الثقة فى المنتج وفى الشركة؛ فلقد كانت النتائج رائعة وحقق التيلينول 85% من حصته فى السوق ثم 100% بعد عام واحد من الأزمة ليتحول إلى تجارة تدر على الشركة مليار دولار.
لقد اتخذ “جيمس بيورك ” قرارًا بسحب العقار من السوق مخالفًا كل النصائح التى طالبته بعدم فعل ذلك، فقد طالب الناس بالتوقف فورًا عن استعمال أى شكل من أشكال التيلينول، وبدأ فى سحب الدواء، وبلغ ما تم سحبه 31 مليون قارورة تيلينول بتكلفه بلغت 100 مليون دولار، وأوقف كافة الإعلانات التجارية، وقام بفحص مرافق الإنتاج والتوزيع بحثًا عن أي مواد سامة أو ملوثة، وفى غضون شهرين تم طرح المنتج فى عبوات ثلاثية السداد ومقاومه للتلاعب، ثم طرح بعد ذلك على شكل كبسولات من الجل لكى يستحيل فكها، لقد كان الأمر صعبًا وكانت الأزمة شديدة وكادت تعصف بمستقبل الشركة وبمستقبل مديرها التنفيذى.
الأزمات أحداث تؤثر على مستقبل الشركات سواء بالإيجاب أو السلب .. ورغم أن الأزمات تمثل هزة عنيفة إلا أنها اختبار حقيقي لاستعداد الشركات ومدى تماسك بنيتها الداخلية ومدى كفاءة نظمها وقوانينها وأساليب الإدارة فيها والرابح دائمًا هو من يحسن إدارة الآزمات.
والأزمات لا يمكن تجنبها فهي تختلف وتتنوع فى أكثر من مجال، وتختلف فى شدتها حسب حجم الشركة، فمجرد مشكلات عادية فى شركة كبرى ربما تصبح نفس هذه المشكلات أزمات طاحنة فى شركة صغيرة.
* أنواع الأزمات:
ويمكن تقسيم الأزمات إلى :
1- اقتصادية:
حيث إن العالم الآن أصبح عبارة عن قرية صغيرة؛ فإن أى أحداث اقتصادية تؤثر على السوق سيمتد تأثيرها إلى شركتك، فانهيار البورصات وزيادة معدل البطالة وتغير أسعار الصرف تمثل أزمات كبيرة، ولعل أوضح الأمثلة أزمة الرهن العقاري الأمريكية الأخيرة، والتى تطاير شررها إلى أنحاء كبيرة من العالم، وأدت إلى عدد كبير من الإفلاسات آخرها إفلاس بنك ليمان براذرز، وهو رابع أكبر مصرف استثماري في الولايات المتحدة.
2- معلوماتية:
تسريب المعلومات للمنافسين أو تدميرها يسبب مشكلات وأزمات، وخاصة إذا كان المنتج عبارة عن براءة اختراع وتستعد الشركة لطرحه فى السوق، كما يعتبر تعطل شبكة الحاسب الآلى أزمة معلوماتية.
3- الموارد البشرية:
من الآزمات الشديدة والتى تحدث فى كثير من الشركات هى فقد الموظفين الموهوبين، خاصة إذا كان هذا الموظف الموهوب فى مكان قيادى فى الشركة، ونتيجه للخلل الحاصل فى التدريب داخل الشركات فإن البديل الجاهز يكون غير موجود وبالتالى تتأثر الشركة، وربما يؤدى بها إلى تأثر المبيعات بشكل كبير يهدد مستقبلها، وتعد الصراعات بين الموظفين أو الشغب من الآزمات المتكررة.
4- السمعة:
تلويث السمعة والإشاعات؛ فلقد كانت بعض الشركات فى خلال المقاطعة للبضائع الأمريكية أو الدنماركية تقوم بتسريب قائمة تحتوي على أسماء لشركات منافسة لها وهى غير دنماركية أو أمريكية.
5- المواد الخام والمعدات :
من المهم فى كل صناعة أن تتوافر الأدوات اللازمة لتشغيل خطوط الإنتاج، وعدم توفر المواد أو نقصانها يؤثر على أسعار المنتج وبالتالى على الربحية، كما تعتبر مخاطرالبدائل من الأشياء التى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وهذا المفهوم طرحه بورتر فى قوى بورتر التنافسية الخمسة ويقصد بالبدائل منتجات فى صناعة أخرى تؤدى نفس الغرض الذى يؤديه المنتج أو السلعة التي تقدمها الشركة، وتظهر المنافسة عند تغير سعر المنتج البديل سواء بالإيجاب أو السلب.
على سبيل المثال العبوات المنتجة من البلاستيك والألومنيوم والزجاج المستخدمة في تعبئة العصائر أو المياه الغازية فلو أن الشركه التى أمتلكها تعمل فى الألومنيوم وأن هناك مشاكل سياسية فى البلد المصدر للمادة الخام فسيؤدى ذلك إلى ارتفاع أسعار العبوات المصنوعة من الألومنيوم مما يحول المشترين إلى العبوات البلاستيكية أو الزجاجية نظرًا لرخص أسعارها. أو لو افترضنا أنه قد تم الكشف عن أماكن جديدة لكميات هائلة من الرمال المستخدمة في صناعة الزجاج سيؤدي ذلك إلى رخص أسعار الزجاج مقارنة بالألومنيوم أو البلاستيك.
* حلول لمواجهة الأزمات:
وعلى الشركات التي تطمح في البقاء والاستمرارية أن تحسن إدارة هذه الأزمات. وسأضع بعض الحلول التى يمكن أن تساهم فى تجنب الأزمات ومحاولة تقليل الأضرار الناجمة عنها فى حالة حدوثها :
1- تكوين فريق إدارة الأزمات:
يتكون الفريق من عدد من الأشخاص يمثل كل واحد قسما من أقسام الشركة ليكون الفريق متكاملا ويغطى كل الجوانب ويتكون على سبيل المثال من (أخصائى مالى - أخصائى قانونى - أخصائى علاقات عامه أو تسويق - أخصائى فنى - أخصائى موارد بشرية - المدير أو نائب المدير كرئيس للفريق).
2- تلقي الإشارات المبكرة للأزمة:
كل أزمة لها بوادرها التى تنبئ بقرب حدوثها ولابد للشركة من الانتباه جيدا لهذه البوادر حيث أن التغاضي عنها يصعب من عمليه الحل ويؤدى إلى خسائر طائلة فى الأفراد والممتلكات ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد بل لابد للشركة من أن تحدد حد أدنى للخطر يجب التحرك عند الوصول إليه
كما يجب وضع سيناريوهات واقتراح خطط بديلة.
3- لابد من وضع نظام متكامل للشركة:
النظام وسياسة الشركة يساعدان فى تقليل نسبة الأزمات فهو يحدد كل شيء وبدقة ويرسم إطار دقيق لجميع العمليات التى تتم فى الشركة وبالتالي يقلل من عمليات الاحتكاك والصراعات بين الموظفين.
كما يجب أن يكون هناك تحليل وتقييم للشركة كل سنه لتحديد المخاطر والفرص وقياس أداء الموظفين ودرجه رضاهم وتقييم التدريب ومناقشة نظم الشركة وقوانينها.
4- تدريب الموظفين على إدارة الأزمة:
لا يقتصر دور الشركة فى إدارة الأزمات على تكوين فريق إدارة الأزمات، بل لابد من أن يكون هناك استعداد مسبق وتجارب افتراضيه للأزمات لتدريب الموظفين على حسن التصرف فى حالة حدوث الأزمة، وأفضل الأمثلة على ذلك الإدارات العسكرية فهي تقوم بهذا الفعل على خير وجه، فهناك المناورات الحربية لاختبار القوات واختبارأنواع الأسلحة الجديدة وتدريب الجنود على استخدامها.
الأزمات أمور لا محاله واقعة ولا يمكن التغاضي عنها، فإن كنت ممن يتوقعون الأفضل دائمًا وأنك بمنأى عن الأزمات فأنصحك بالابتعاد عن مجال الأعمال؛ فالعيش بسلام يتحقق فقط حينما تنمو قدرتنا على احتواء الآزمات ونتقن إدارتها وعلينا أن نتذكر دائمًا “أن الضربة التى لا تقصم ظهرك فإنها تقويه.
(منقول من مدونة أكاديمية النجاح)