الأمير الوليد بن طلال بدأ بهدية من والده، والراجحي تاجر خردة، والحريري مصححًا صحفيًا. توسعت قائمة أصحاب الملايين العرب، وضمت رجال أعمال شقوا طريقهم إلى عالم المال معتمدين على توفيق الله –سبحانه وتعالى- ثم سواعدهم وجهدهم.
صالح كامل
بدأ العمل الخاص كمراجع حكومي "معقب". مؤسس ومالك مجموعة دلة البركة ومقرها جدة. واصل صالح كامل دراسته التعليمية حتى المستوى الجامعي. بعد ذلك انخرط في العمل الحكومي ، كفترة تمهيدية قبل ولوج القطاع الخاص. وتنقل في كل وزارات الدولة وفي كل مدن السعودية. بعد ذلك تفرغ للعمل الخاص كمراجع حكومي أو ما يسمى بـ"معقب". ويعتبر صالح كامل التجارة موهبة ، بدأ ممارستها من مرحلة الطفولة ، عندما كان يصنع من عظم الخراف أدوات لعبة شعبية يقال لها "الكبوش"، ويبيع ما صنعه لزملائه. وفي المرحلتين المتوسطة والثانوية، باشر في تحرير وإنتاج المجلات المدرسية وبيعها، والكسب منها. وفي تلك الفترة كان صالح كامل أول رئيس لفرق الكشافة في السعودية. ويقول عن هذه التجربة: "من هذه الرئاسة أتتني فكرة استيراد ملابس رياضية ، وقتها أخذت من والدي ، مبلغ 3000 ريال. سافرت إلى لبنان، واشتريت بدل كشافة وصافرات وسكاكين وكتب كشفية جلبتها معي إلى السعودية. ثم كنت أضع بضاعتي في حقيبة سيارتي وأدور بها على مدارس جدة. وفي المرحلة الجامعية، حصلت على إذن لتأمين مطبعة لنسخ مذكرات الطلبة، وقمت باستئجار محل صغير قرب الجامعة، وأصبحت أبيع لزملائي المذكرات المستنسخة. وعندما عملت في الحكومة كنت اعمل ممثلاً مالياً في الصباح ، وعاملا في مطبعتي في المساء. كذلك كنت من أوائل الذين افتتحوا المطابخ في الرياض. حيث افتتحت مطبخاً اسمه "مطبخ الملز الشرقي". فقد كان لدينا طباخ ماهر في منزلنا في جدة اسمه صالح خاطر، تعاونت معه في إنشاء المطبخ. وهكذا أصبح وقتي موزعا بين عملي الحكومي الصباحي والمطبعة في المساء مع المطبخ. وعن انتقاله إلى العمل الخاص يقول صالح كامل أن وزارة البرق والبريد والهاتف السعودية طرحت مناقصة لنقل البريد الداخلي. فقمت بعمل مشروع البريد الطواف ، وكان رأس مالي هو 300 ألف ريال، هي كل ما جمعته من المطبعة والمطبخ. واشتريت سيارات تويوتا "جيب". وكان وقتها سعر السيارة 12 ألف ريال. فاشتريت 30 سيارة وبدأت العمل. وقبلها قمت بعمل تجربة بنفسي، إذ طفت على جميع مدن وقرى السعودية. وقست المسافة بين كل منطقة وأخرى. وأصبحت قادرا حتى على تحديد كمية الوقود التي تحتاجها كل سيارة لتصل إلى هدفها. ونجح المشروع، واستمر لمدة 15 عاما. ثم بدأت مشاريع التلفزيون. نقطة التحول الرئيسية في حياة صالح كامل العملية كانت عند حصوله على عقد مدرسة الدفاع الجوي في جدة. بعد تقديم عرض بمبلغ 15 مليون دولار فقط منافس لعرض شركة "نستيول" الأميركية التي طلبت مبلغ 155 مليون دولار، عملية المطار المدني توسعت وشملت صيانة مواقع الدفاع الجوي في جميع أنحاء السعودية ، بالإضافة إلى 22 مطارا مدنيا. بعد ذلك اشترك صالح كامل مع شركة أميركية متخصصة في صيانة المطارات اسمها "افكو"، وأسسوا "افكو دلة". اكبر مقاول صيانة في العالم في أواخر السبعينات إلى منتصف الثمانينات. دلة كان اسم التدليل لعبد الله كما هو معروف في الحجاز. وكانت جدته تدلل والده بـ"دلة" ، وقد استعمل هذا الاسم. ولقد كان الناس في البداية يهزئون من الاسم لغرابته ، واليوم بات الاسم رديف منشأة عملاقة.
رفيق الحريري
بدأ حياته العملية قاطفاً للحمضيات ثم مصححًا صحفيًا. نشأ في عائلة متواضعة تقتات من الزراعة إلى الدخول المبكر في العمل ثم إلى عالم المال والأعمال الذي سطع فيه نجمه بسرعة قياسية لينتقل بعدها إلى السياسة . استطاع رفيق الحريري أن يقطع مشواراً نموذجياً في العصامية والنجاح، بين السفح والقمة، محققاً قفزات قياسية فيها الكثير من الاجتهاد والعمل الدءوب والمضني . عمل محاسباً حتى يستطيع إتمام دراسته الجامعية في كلية التجارة في جامعة بيروت العربية قبل أن ينتقل (بفعل إعلان في جريدة يومية) إلى السعودية حيث عمل في التدريس ، ثم عاد إلى تدقيق الحسابات مجددا ً، جامعاً هذه المرحلة في 6 سنوات ، معيلاً لنفسه ومعيناً لعائلته ، قبل أن يضع قدمه عام 1970 في عالم المال والأعمال مؤسساً شركة صغيرة سماها "سيكونيست". وينطلق بقوة عام 1977 عبر قبول تحد فيه الكثير من المغامرة من خلال اشتراكه مع شركة "أوجيه" الفرنسية في إنشاء فندق في الطائف ، في فترة تسعة أشهر ، بعدما اعتذرت شركات كبرى عن قبول هذا التحدي في حينه ، ليلاقي أول إنجازاته الكبرى ويؤسس بعدها "سعودي أوجيه" المولودة من دمج "سيكونيست" مع "أوجيه" وليكتسب بعدها في عام 1987 الجنسية السعودية التي يعتبرها من أهم العلامات المضيئة في سيرته الذاتية.
سليمان العليان
الشيخ سليمان العليان، دخل المقاولات من باب الترجمة. مؤسس مجموعة العليان في السعودية والتي تضم حوالي 30 شركة بالإضافة إلى تملك 20 في المائة من أسهم البنك السعودي البريطاني وحصة في بنك تشيس مانهاتن وغيرها. وقد بدأ نشاطه في عام 1947 بتأسيس شركة مقاولات والتي كانت بدورها الأساس لانطلاقة الشيخ سليمان في توسيع وتنويع استثماراته التجارية والاقتصادية. ويقول الشيخ العليان في حديث صحفي عن بداية نشاطه: "ولدت في بلدة رقيقة ، لطيفة ، هي عنيزة وكانت زراعية ، لم يكن عندنا كهرباء أو مجار، لكن البلدة كانت نظيفة وكنا نعتمد على إنتاجنا المحلي في سد حاجاتنا، ولا اذكر أننا كنا لا نستورد غير الشاي والسكر والقهوة". المحطة التالية في مسيرة الشيخ العليان كانت في البحرين حيث دخل المدرسة الأميركية ، ثم بدأ العمل في شركة نفط ثم انتقل إلى مؤسسة آرامكو، للعمل في وظيفة مترجم إنجليزية ، وانتقل من قسم النقليات إلى قسم المستودعات وبقي فيه ثماني سنوات وكانوا في آرامكو يستعينون به كلما احتاجوا إلى ترجمة شفهية أو كتابية، إلى أن طلبوا منه إدارة قسم الترجمة. من الترجمة إلى المقاولات يقول الشيخ العليان: "كنت مرتاحاً في وظيفتي بشركة آرامكو كرئيس لقسم الترجمة ، وكان مرتبي عالياً بالقياس إلى مرتبات ذلك الوقت (411 ريالاً سعودياً شهرياً) واذكر أنه عند طرح مشروع التابلاين ، ذهبنا إلى محل اسمه رأس مشعاب ، لكي نوضح لبعض الإخوان المقاولين مواصفات المشروع ، وفي طريق العودة وجدت نفسي أفكر في المشروع ومدى أهميته ، وأعرف أنه كان مرصوداً له مبلغ 25 مليون دولار، وهذه دولارات عام 1940، وخطر لي أنني ما زلت شاباً صغيراً، وليس عندي لا ولد ولا زوجة، كنت ما زلت أعيش مع جدتي، التي كانت بمثابة أمي فهي التي ربتني، وكان كل مصروفنا لا يتجاوز الـ40 أو 50 ريالاً في الشهر، فقلت لماذا لا أخوض التجربة وآخذ مقاولة هذا المشروع ؟ وبالفعل تكلمت مع آرامكو فرحبوا، وشجعوني، وباشرت العمل كمستقل، وأخذت أول مناقصة وهي مناقصة تنزيل البضائع، ثم توالت المقاولات الأخرى.. وهكذا.. وإذا سألت الشيخ العليان عن المليون الأول يجيبك "لا أعرف، بل ولم يخطر في بالي من قبل أن اسأل نفسي عن أول مليون. وأذكر أن الفائدة لم تكن كما كنا نتوقع ، ربما لأنه كان أول مشروع ، لكنه شكل بداية وضع مالي سليم ، فقد دخلت المشروع وليس عندي شيء، كل ما كان عندي هو بيت في الخبر وأذكر أنني رهنته مقابل ثمانية آلاف ريال احتجتها لأتدبر أمري عندما تسلمت المشروع".
صالح الراجحي
كانت بداية الشيخ صالح الراجحي في دنيا المال والأعمال كحمال وتاجر للخردة، في الصباح حمال بأجرة بسيطة، وبائع للخردوات بعد صلاة العصر وذلك في الأربعينات الميلادية. بدأ حياته التجارية من الصفر ولم يكن في خلده أن يكون ثراؤه بهذا الحجم. وكان كما قال " كنت أعمل في الصباح والمساء وأبيع وأشتري في أعمال بسيطة كبيع المفاتيح والأقفال وبعض الخردوات" وقاده بيعه للأقفال والمفاتيح إلى الإمساك بمفاتيح احد اكبر الخزائن والبنوك في السعودية. ويضيف "كنت أشقى في بحثي عن لقمة العيش منذ ولادتي في البكيرية". أما عن بدايته مع الصرافة والبنوك فيقول "أنني كنت اجلس في إحدى الساحات في الرياض قديما وأبسط لأقوم بصرف النقود للناس (تغيير العملة) بعد أن اتجهت إليها وكان الناس يتهافتون علي للصرافة البسيطة جدا. افتتح أول مكان للصرافة عام 1366هـ ومنها انطلقت مجموعة الراجحي التجارية التي أصبحت الآن إمبراطورية مالية لا يحب أن يعلن عن رقم محدد لها.
راشد الزياني
في أواخر العشرينات بالبحرين ، ورث راشد الزياني ثلاثة أشياء: ديون متراكمة على والده ليس لها مقابل لتسديدها ومسئولية إعاشة عائلة كبيرة تزيد على ثلاثين شخصاً وضرورة الحفاظ على مركز العائلة الاجتماعي كتجار لؤلؤ مرموقين. أتقن الزياني تجارة اللؤلؤ مهنة آبائه مبتدءاً بالطواشة بمفرده في قارب صغير لشراء اللؤلؤ من أعالي البحار بعد أن تم باع والده العقار والسفينة لسداد جزء من الديون المتراكمة. بحث عن مورد مالي للمعيشة ولم يجد سوى وظيفة مدرس رياضيات فعمل لمدة عام واحد فقط كان يتقاضى خلالها خمسة دنانير (دولار ونصف) شهرياً. قرر بعدها-بحس رجل الأعمال- العودة لميدان التجارة. وضع ميزانية تقشف صارمة لعائلة كبيرة اعتادت العيش الرغيد. اجتهد على العمل بديوان الحكومة بوظيفة سكرتير ليعمل صباحاً ويباشر عمله التجاري مساءاً. كرس جهوده على تعلم الترجمة والطباعة العربية والإنجليزية حتى زاد راتبه إلى 12 دينار. تمكن إثر ذلك من توفير مبلغ 80 دينار دخل بها في صفقة تجارية محسوبة وتحول المبلغ إلى 200 دينار. بعد مرور عام تضاعف المبلغ ست مرات ليصل إلى 1200 دينار. حينها اتخذ القرار الذي غير مجرى حياته ، حيث استقال من الوظيفة ليتفرغ للعمل التجاري رغم إغراءات الوظيفة الآمنة. مضت السنون تباعاً وعمله ينمو ويتطور ، حيث تدرج من بيع المواد الاستهلاكية إلى القرطاسية (الأدوات المكتبية) إلى الأحذية إلى الأثاث. ثم دخل مجال السيارات والمعدات ليحوز على وكالات الأوستن-الروفر-الرولزرويس-الكريسلر-البي ام دبليو والميتسوبيشي. وانتشرت الفروع في كافة دول الخليج والعراق. تنوع النشاط وأصبح يضم فنادق ومصانع وزادت الأرباح عن ملايين الدنانير البحرينية سنوياً. وأصبح تاجر اللؤلؤ صاحب القارب الصغير الذي لا يتسع إلا لشخصين ، رئيساً للجنة المالية والاقتصادية في مجلس الشورى و مؤسساً لنادي البحرين الرياضي والعديد من المستشفيات والمدارس وغرفة تجارة وصناعة البحرين وبورصة البحرين وعشرات المشاريع الخدمية والصناعية.
سعود بهوان
في الوقت الذي كان فيه معظم الأطفال في سلطنة عمان يلعبون بالدمى ، أبحر طفل في التاسعة من عمره في مركب خشبي "الداو" قاصداً البحار البعيدة للوصول إلى بومباي في الهند مرافقاً لوالده بحمولة من السمك المجفف والتمر.. وكانت هذه هي رحلته البكر إلى عالم التجارة. بعد سنوات قليلة ، أدرك الفتى اليافع بفطرته وحسه التجاري ، أنه لكي يكسب المال عليه أن يقوم بعمليات تجارية خاصة به ويديرها باستقلالية مطلقة. قرر شراء مركب الداو من والده ، ولما لم يكن لديه المال الكافي ، اتفق مع والده بأن يسدد قيمة المركب من الأرباح التي كان واثقاً من تحقيقها. كان ينقل المسافرين بشكل منتظم بين ظفار ومسقط بجانب الاتجار في السمن ومنتجات الألبان. وفي مدة لا تزيد عن السنة والنصف استطاع أن يحقق أرباحاً طائلة وسدد لوالده قيمة المركب كاملاً. كثيراً ما كان ُيبحر لمسافات بعيدة. وعندما يكون البحر هائجاً وعالي الموج ، لم يكن يتمكن من الحصول على قسط من الراحة أو النوم. وفي رحلة من رحلاته لإفريقيا، وبعد بيع كل حمولته من الأخشاب وغيرها..فقد كل ما معه من مال، ليجد نفسه في بلد غريب ولا مال معه، فما كان منه إلا أن قام باقتطاع الأشجار وبيع الحطب ليجمع مالاً يمكنه من العودة إلى بلاده. وفي رحلة أخرى لمومباي بحمولة كاملة من سمك الكنعد ، واجه عاصفة هوجاء قلبت مركبه وفقد كامل حمولته.. ولكن الله كان معه فنجا من الموت بأعجوبة. كل هذا لم يردعه أو يثبط من همته، بل قوى عزيمته، فزاد تصميمه على التحدي والفوز والنجاح. استمر بالتجارة، واشتهر بأمانته والوفاء بالتزاماته مما فتح أسواقاً كثيرة له مع إيران والعراق وعدن وشرق أفريقيا ومن الهند حتى الصين. عندما نمت تجارته ، فكر بتأسيس شركة تجارية في مسقط. قرر امتلاك محل للاتجار في شباك الصيد. اكتشف أنه لا يستطيع ذلك لأنه ليس من أهل مسقط. ولذا قام باستئجار محل صغير من صديق له. توسعت تجارته مع الوقت ، حتى امتلاكه محلات أخرى متنوعة النشاط وحصوله على وكالات ساعات سيكو ومن ثم اتبعها بوكالة توشيبا واضعاً حجر الأساس لنجاحات أكبر. ولم يكن لشركة تويوتا في ذلك الوقت من يمثلها في ُعمان. ولذلك سعى الكثيرون للحصول على هذه الوكالة باعتبارها مطمحاً تجارياً هاماً وكان من بين هؤلاء الشيخ سعود. وِبسماته الفريدة قرر السفر بنفسه إلى اليابان ليكون أول عماني يصل إليها. وما إن وطئت قدماه أرض اليابان حتى تم احتجازه بالمطار وذلك لأن أيا من مسئولي الهجرة اليابانيين لم يشاهدوا جواز السفر العماني من قبل، ولم يتم إخلاء سبيله إلا بعد التأكد من صحة الجواز والتأشيرة من السفارة البريطانية التي كانت تصدر تأشيرات السفر آنذاك. وبعد جهد جهيد، وصل ممثلوا تويوتا إلى عمان ليقوموا بأنفسهم بفحص ومقارنة المتقدمين. أخذ اليابانيون الدهشة عندما قابلوه وتبادلوا معه سلسلة من الأحاديث والمناقشات المفصلة. لم يجدوا إلا رجلاً لديه حس تجاري حاد ورؤى بعيدة المدى. وبهذا توصلوا إلى قناعة تامة بوجوب التعامل معه وانه سيكون بلا شك محل ثقة وقادر على التطوير لتكون تويوتا هي الرائدة في الأسواق.. وهكذا كانت نقطة التحول لصالحه. وكانت لحظة تاريخية بعام 1975...وصول أول دفعة تتكون من 100 سيارة إلى ُعمان. كانت السيارات تباع فور إنزالها على رصيف الميناء.. الناس يختارون سياراتهم على ظهر السفينة..تدفع كيساً مليئاً بالأوراق النقدية..يستلمون بالحال..يدور المحرك..ُتساق السيارة..وتذهب بعيداً!. وإذا سألت الشيخ سعود عن هذه الرحلة الطويلة وسر نجاحه فيخبرك .. تذكروا دائماً.. قوله تعالى " وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ " وتذكروا أيضا قاعدة المثابرة الذهبية " حاول وحاول المرة تلو المرة.. حتى يتحقق لك النجاح " .
حمد عبد الله الزامل وإخوانه
هذه المرة نقدم نموذجًا ناجحًا استثنائيًا. فهذا النموذج ليس لشخص واحد ولكنها لاثني عشر أخًا جميعهم كانوا طلاب علم يحتاجون إلى الرعاية حين رحل عنهم والدهم بالعام 1962. انتقلت المسئولية للأخ الكبير/محمد ، ليحمل العبء ويتحمل الرسالة. كانت البداية ورشة للألمونيوم شراكة بين الإخوة والخال/علي. اختار الشركاء الأخ/أحمد لإدارة هذه الورشة (أو المصنع بمقاييس ذلك الزمان). وبعد فترة قرر الخال إنهاء الشراكة بينه وبين الإخوة ، وخيرهم بين المصنع أو قطعة أرض كانوا قد اشتروها مشاركة معه. ولقد كان الخيار صعباً ، ولكن القرار كان استراتيجياً لم يفكر فيه الإخوة كثيراً. كان خيارهم هو المصنع لتكون الصناعة قدرهم ومصيرهم. كان مصنع الألمونيوم صغيراً ولا يزال هذا المصنع المبروك صغيراً ، رغم توسعته، عندما يقف بجانب إخوته من المشاريع العملاقة التي نشأت من خيره ونمت على عوائده. وبالحقبة التي بدأت فيها الانطلاقة السعودية بكافة المجالات، كان التوقيت ملائماً للتفكير والدراسة بمشروع أكبر. وبدأ الإخوة بالتفكير في إقامة مصنع للمكيفات. كانت طموحاتهم أكبر من طاقتهم وقدراتهم أقل من سمعتهم ، تأكد لهم ذلك عندما اتصلوا ببعض الأسماء اللامعة في عالم صناعة المكيفات ظناً منهم بأنهم سوف يرحبون بهم وبمشاركتهم. وكانت الصدمة أن الجميع بدون استثناء لم يوافق على طلبهم. ولكن بالمزيد من المثابرة ، نجح الإخوة في التعاقد مع شركة تكييف صغيرة في تكساس ، هي شركة فردريك. لم يسمع بهذه الشركة أحد من قبل في منطقة الخليج. قبلت فردريك أن يستخدم الإخوة اسمها وتقنياتها لإنتاج أول وحدة تكييف شباك سعودية. لقد أقنعهم الإخوة بأنهم لن يخسروا شيئاً حيث لم يكن لهم سوق بالمنطقة وبأنهم سوف يربحون من رسوم التقنية التي سوف يدفعها الإخوة عن كل وحدة تكييف (والتي كانت سبعة دولارات لكل وحدة). وإذا كان العام 1974 قد شهد إنتاج أول مكيف وطني بالسعودية وبطاقة إنتاجية بلغت 40 مكيف فقط باليوم ، فاليوم ينتج المصنع 320.000 وحدة من أنواع وأشكال ومقاسات مختلفة والزيادة مستمرة ، كما أن المصنع قد أنتج منذ إنشائه ما يربو على 3 مليون وحدة ويوزع في أكثر من 42 دولة. ويفعلها الإخوة مرة أخرى حيث يتعاقدون –بعيداً عن الشركات الكبيرة- مع شركة سوليه الأمريكية الصغيرة للمشاركة في إقامة مصنعاً للحديد بطاقة لم تتجاوز 1500 طناً شهرياً واليوم يحتل الزامل للحديد المركز السادس في العالم ويخططون لاحتلال المركز الأول بالعام 2005 وخاصة بعد إنشاء فروع لمصانع بكل من مصر وفيتنام والنمسا وإيطاليا. وصلت مبيعات المجموعة عام 2000 إلى 1252مليون ريال سعودي منها 470مليوناً صادرات لحوالي 62 دولة وهذا يعتبر إنجازاً بحد ذاته حيث يتضح أن السوق العالمي يستوعب حوالي 40% من منتجاتها. وكدروس مستفادة ورسائل لكافة الشركات العائلية ، لم أجد أجمل مما قاله الدكتور/ عبد الرحمن الزامل -أحد الإخوة ورئيس مجلس الإدارة- في إحدى الندوات " كم كان الله لنا معيناً وسنداً عندما خلطنا دماءنا في وعاء مجموعتنا ، حتى لم يعد أي منا يقدر على التمييز. كما لم يعد منا يقول همساً ولا علناً هذه شركتي أو هذا مصنعي ، بل أقرر حقيقة أننا لم نجلس في يوم من الأيام كأخوة يحاسب أحدنا الآخر بغرض القسمة أو التوزيع. لقد كانت هذه مبادئنا ولازالت وسوف تستمر –إن شاء الله- فلا نجاح دون مخافة الله ، ولا تقدم دون دفع الحقوق كاملة "
(من كتاب ابدأ مشروعك الصغير... ولا تتردد! للدكتور نبيل محمد شلبي)