يتم تقسيم الأسباب التي تنتج عنها حوادث العمل إلى قسمين رئيسيين:
الأول:
يتكون من العوامل غير الشخصية أي التي لا ترجع إلى خطأ الفرد القائم بالعمل أو نقص في قدراته وتدريبه بقدر ما ترجع إلى أخطاء في بيئة العمل ومحيطها أو إلى تصميم آلات العمل أو النظم المستخدمة لإنجازه.
الثاني:
يتكون من العوامل الإنسانية أي التي ترجع إلى الفرد نفسه كالنقص في قدراته أو توازنه الانفعالي أو ملاءمته للعمل الذي يقوم به أو عدم توافر الدوافع النفسية لديه.
أولا: العوامل البيئية والتنظيمية:
تتكون هذه العوامل من أسباب متعددة يرجع معظمها إلى الخطأ في تصميم الآلات والمعدات وإلى بيئة العمل ومحيطه، كما يرجع البعض الآخر إلى طبيعة العمل نفسه ودرجة التعب الذي يسببه للفرد الذي يقوم به، وسنناقش بعض العوامل التي تنتمي إلى هذا القسم وبصفة خاصة عوامل بيئية، أما الشروط الواجب توافرها في الآلات لتحقيق سلامة العامل فسيتم مناقشتها عند معالجة وسائل خفض حوادث العمل.
1- درجة الحرارة:
ثبت من البحوث أن درجة الحرارة التي يعمل فيها الفرد تؤثر على عدد الحوادث العمل والإصابات الناجمة عنه فقد وجد أن إصابات العمل تكون عند حدها الأدنى عندما يعمل الأفراد في درجة حرارة معتدلة، وكلما قلت درجة الحرارة أو زادت عن درجة الحرارة المثلى زاد معدل حوادث العمل، كما ثبت أنه إذا زادت درجة الحرارة أو قلت بدرجة كبيرة فإن الأمر لا يقف عند حد زيادة عدد الحوادث، وإنما تزيد خطورة الحوادث وشدتها أي أنه في درجات الحرارة العالية جدًا أو المنخفضة جدًا تكون الحوادث أكثر خطورة ويتسبب عنها انقطاع العامل عن العمل لفترة أطول.
2- الإضاءة:
يزيد معدل الحوادث والإصابات عندما يعمل الأفراد في مكان ليس به إضاءة كافية، وقد دلت نتائج الاستقصاءات التي أجريت على عدد من الوظائف أن الإضاءة غير الكافية قد تسبب زيادة في معدل حوادث العمل بنسبة 25% عن الإضاءة العادية، كما تبين أن بعض أنواع الحوادث تزيد عن غيرها مثل حوادث سقوط الأفراد على الآلات والأشياء الأخرى تكون أكثر من غيرها نتيجة لضعف الإضاءة ووجد أيضا أن معدل الإصابات والحوادث يرتفع بالقرب من الغروب وقبل استخدام الإضاءة الصناعية.
3- السرعة في القيام بالعمل
تؤدى السرعة في إنجاز العمل في كثير من الأحوال إلى زيادة معدل الحوادث ويرجع ذلك لسببين مهمين:
أولهما أنه عندما يعمل الفرد بسرعة تزيد فرص واحتمالات تعرضه للحوادث، وثانيهما أنه عندما يعمل بسرعة لا يستطيع تخصيص العناية والحذر الكافيين مثل الفرد الذي يعمل ببطء، حيث إن متابعة العمل في هذه الحالة يستغرق معظم اهتمامه.
وتختلف أهمية السبب الأول باختلاف طبيعة العمل فإذا كان مصدر الخطر في العمل ناتجا عن العملية الإنتاجية نفسها وليس له صلة بالظروف المحيطة بالعمل فإن السرعة تزيد من فرص التعرض للخطر إذ أن كل وحدة منتجة تحمل معها فرصة تعرض العامل للحوادث والإصابة أما بالنسبة للأنواع الأخرى من الأعمال والتي يكون مصدر الخطر ناتجا عن محيط العمل فلا يكون هناك علاقة بين سرعة الانجاز ومعدل إصابات العمل وبالنسبة للسبب الثاني فإن السرعة المتزايدة لا تعطى الفرصة لتوقع وتجنب الحوادث التي تؤدى إلى إصابته لذلك نجد أن الأفراد الذين يقودون سياراتهم بسرعة كبيرة يتسببون في الحوادث أكثر من الذين يقودون ببطء.
ثانيًا: العوامل الإنسانية للحوادث:
تسبب آلات العمل ومعداته وظروف العمل وبيئته نسبة من الحوادث وإصابات العمل ولكن الغالبية العظمى من تلك الحوادث ترجع إلى الأفراد أنفسهم لأخطائهم التي تنشأ من أسباب متعددة. ويتفق علماء النفس على وجود فروق فردية في القابلية للحوادث ومدى تعدد إصابات العمل كما هو الحال في جميع القدرات الإنسانية الأخرى أي انه قد تعدد إصابات فرد في فترة معينة بينما لا يقع لزملائه الذين يعملون معه أي حادث كما دلت معظم البحوث على أن معظم الحوادث تنتج عن خطأ عدد قليل من الأفراد وبذلك يمكن خفض معدل حوادث العمل وإصابات باستبعاد مثل هؤلاء الأفراد.
ويطلق على تعرض الفرد للحوادث بنسبة اكبر من زملائه الذين يقومون بنفس النوع من العمل (قابلية الحوادث) أي أن الفرد يكون عرضه للحوادث أكثر من غيره بسبب تكوينه العضوي وتكوينه النفسي، بسبب أن طبيعة بعض الأفراد وخصائصهم تتسبب في وقوعهم في الحوادث وإصابتهم أكثر من غيرهم، ويختلف الأفراد في درجة قابليتهم للحوادث بنفس الطريقة التي يختلفون فيها في الاستعدادات والخصائص الإنسانية الأخرى.
ولقد أثبتت الاستقصاءات المتعددة أن هناك علاقة أكيدة بين عدد الحوادث التي يتسبب فيها الفرد ومدى خبرته بالعمل فكلما خبرته قل عدد الحوادث التي يتسبب فيها وتؤثر على الصحة البدنية للفرد وأنواع أخرى من الضعف والنقص الجسمي على احتمالات وقوع الحوادث والإصابات للفرد فكلما ضعفت صحة الفرد وجدت مواطن النقص والضعف الجسدي وزادت احتمالات وقوعه في الحوادث.
وقد أثبتت الكثير من البحوث النتيجة السابقة ووجد الباحثون ارتباطًا غير قليل بين عدد الحوادث التي تسبب فيها الفرد والأمراض البدنية بزملائهم أصحاء الجسم فوجد أن معدل الحوادث للمجموعة الأولى يساوى ثلاث أمثال معدل الحوادث للمجموعة الثانية كما أسفرت نتيجة دراسة أن سائقي السيارات العامة فوق سن الخمسين من ذوى ضغط الدم غير العادي قد تسببوا في الحوادث بمعدل ضعف الأفراد ذوى ضغط الدم العادي.
ولكن لا ينبغي تفسير النتائج السابقة على أن الأفراد المصابين ببعض نواحي الضعف البدني المختلفة لا يكون لهم مكانا في الصناعة بل تفيد تلك الإحصائيات أن كلا منهم لا يكون لديه فكرة عن نواحي ضعفه وعلاقته بعمله ولذلك فإنهم لا يتخذون أي إجراء لتعويضها فإذا أحيط الفرد بالنقص لديه وأعطى التدريب المناسب للقيام بعمله بالطريقة التي تعوض نواحي ضعفه أمكنه القيام بالعمل بطريقة مناسبة كما أن الإدارة تفشل في كثير من الأحوال في تقدير القوى الجسدية وحدودها بالنسبة للعامل وتضعه في مكان لا يناسب قدرته فإذا راعت وضع برنامج سليم للاختيار والتوجيه تقدر فيه المستلزمات الجسدية التي تتطلبها الوظيفة أمكن وضع كل فرد في الوظيفة التي تلاءم استعداداته البدنية وبذلك يوضع الفرد الذي تقل تلك القدرة لديه في ناحية معينة في الوظيفة التي لا تستلزم تلك الناحية.
وتلعب خصائص الشخصية المختلفة والحالات الانفعالية للفرد دورا هاما في عدد الحوادث التي يتسبب فيها فالمعروف أن وجود الفرد في حالة من التوازن العضوي والنفسي ضروري لتوافقه مع نفسه وبيته وعمله وان أي اختلال في هذا التوازن يوجه سلوك الفرد نحو إعادته ولذلك فأن وجود حالات تؤدى إلى الإخلال بتوازن الفرد الانفعالي تؤثر على حكمه الصحيح على الأشياء والتقدير السليم للمواقف المختلفة كما تؤثر على التوافق والتناسق العضلي السليم والمعروف أن هناك بعض الأفراد الذين يقعون فريسة سهلة للقلق والاضطراب فوجود موقف يخالف ما تعده عليه مثل تكليفهم فجأة بمهام جديدة أو قيامهم بمجهود متزايد أو سماعهم لملاحظات جارحة من رؤسائهم أو زملائهم والتغيير في بيئة عملهم يؤدى إلى قلقهم بسرعة ويسبب الاختلال المؤقت لحالة التوازن الانفعالي ويكون ذلك صحيحا بصفة خاصة بالنسبة للأفراد الذين يكون لديهم القابلية اكبر للتعرض للحوادث وإذا ثبت أن مثل هؤلاء الأفراد يصابون بالقلق والانقباض بسرعة عن غيرهم ولذلك يرى بعض علماء النفس أن أفضل وسيلة لاكتشاف الأفراد الذين يكونوا عرضة للحوادث عن غيرهم هي استخدام اختبارات وموازين الاستقرار الانفعالي ولقد أثبتت البحوث أن هناك ارتباط وثيق بين تعدد الحوادث وبين اتجاه الأفراد نحو لوائح المنشأة ونظمها وخاصة اللوائح والنظم المتعلقة بالأمن والوقاية من الحوادث.